الثلاثاء، 10 نوفمبر 2015

ﻛﻴف ﺃﺣﺎﺳب ﻧﻔﺴﻲ ؟

ﻛﻴف ﺃﺣﺎﺳب ﻧﻔﺴﻲ ؟

ﺳﺆﺍل ﻳﺘﺮﺩد ﻓﻲ ذﻫﻦ ﻛﻞ ﺷﺨﺺ
ﻭﻟﻺﺟﺎﺑﺔ ﻋﻠﻰ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺘﺴﺎﺅﻝ :
ﺫﻛر ﺍﺑن ﺍﻟﻘﻴﻢ ﺃﻥ ﻣﺤﺎسبة ﺍﻟﻨﻔﺲ
ﺗﻜﻮﻥ ﻛﺎﻟﺘﺎﻟﻲ :
ﺃﻭلا : ﺍﻟﺒﺪء ﺑﺎﻟﻔﺮﺍﺋﺾ ، ﻓﺈﺫﺍ ﺭﺃﻯ ﻓﻴﻬﺎ
ﻧﻘص ﺗﺪﺍﺭكه .
ﺛﺎنيا : ﺍﻟﻨﻈر ﻓﻲ ﺍﻟﻤﻨﺎﻫﻲ ، ﻓﺈﺫﺍ ﻋرﻑ
ﺃﻧﻪ ﺍﺭﺗﻜﺐ ﻣﻨﻬﺎ شيئا ﺗﺪﺍﺭﻛﻪ ﺑﺎﻟﺘﻮبة ﻭﺍلإﺳﺘﻐﻔﺎر ﻭﺍﻟﺤﺴﻨﺎت ﺍﻟﻤﺎﺣﻴﺔ .
ﺛﺎلثا : ﻣﺤﺎسبة ﺍﻟﻨﻔﺲ ﻋﻠﻰ ﺍلغفلة
ويتدارك ﺫلك 
ﺑﺎﻟﺬكر ﻭﺍﻹﻗﺒﺎل
ﻋﻠﻰ ﺭب ﺍﻟﺴﻤﺎﻭﺍﺕ ﻭﺭﺏ ﺍﻷﺭﺽ ﺭﺏ
ﺍﻟﻌﺮﺵ ﺍﻟﻌﻈﻴﻢ .
ﺭﺍبعا : ﻣﺤﺎسبة ﺍﻟﻨﻔﺲ ﻋﻠﻰ ﺣﺮﻛﺎت
ﺍﻟﺠﻮﺍﺭﺡ ، ﻭﻛﻼم
ﺍﻟﻠﺴﺎﻥ ، ﻭمشي ﺍﻟﺮجلين ،
ﻭﺑﻄﺶِ ﺍﻟﻴﺪﻳﻦ ، ﻭﻧﻈﺮِ ﺍﻟﻌﻴﻨﻴﻦ ،
ﻭﺳﻤﺎع ﺍﻷﺫﻧﻴﻦ ، ﻣﺎﺫﺍ
ﺃﺭﺩت ﺑﻬﺬﺍ ؟
ﻭﻟﻤﻦ ﻓﻌﻠﺘﻪ ؟ ﻭﻋﻠﻰ ﺃﻱ ﻭﺟﻪ ﻓﻌﻠﺘﻪ ؟
 
ﻭﻟﻤﺤﺎﺳﺒﺔ ﺍﻟﻨﻔﺲ ﻓﻮﺍئد جمة ، ﻣﻨﻬﺎ :
1 : ﺍﻹﻃﻼع ﻋﻠﻰ ﻋﻴﻮب ﺍﻟﻨﻔﺲ 
ﻭﻣﻦ ﻟﻢ ﻳﻄﻠﻊ ﻋﻠﻰ 
عيب نفسه ﻟﻢ
 يمكنه ﻣﻌﺎلجته ﻭﺇﺯﺍﻟﺘﻪ .
2 : ﺍﻟﺘﻮبة ﻭﺍﻟﻨﺪم ﻭﺗﺪﺍﺭﻙ ﻣﺎ ﻓﺎﺕ ﻓﻲ
ﺯﻣﻦِ ﺍﻹﻣﻜﺎﻥ .
3 : ﻣﻌﺮفة حق ﺍﻟﻠﻪِ ﺗﻌﺎﻟﻰ ، ﻓﺈﻥ
ﺃصل ﻣﺤﺎسبة
ﺍﻟﻨﻔﺲ ﻫﻮ ﻣﺤﺎسبتها ﻋﻠﻰ ﺗﻔﺮﻳﻄﻬﺎ
ﻓﻲ ﺣﻖِ ﺍﻟﻠﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ .
4 : ﺍﻧﻜﺴﺎر ﺍﻟﻌﺒﺪ ﻭﺗﺬللـه ﺑﻴﻦ ﻳﺪﻱ
ﺭﺑﻪ ﺗﺒﺎﺭﻙ 
ﻭﺗﻌﺎﻟﻰ .
5 : ﻣﻌﺮفة كرم ﺍﻟﻠﻪ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ
ﻭﻣﺪﻯ ﻋﻔﻮه ﻭﺭحمته
ﺑﻌﺒﺎﺩه ﻓﻲ ﺃﻧﻪ ﻟﻢ ﻳﻌﺠﻞ ﻟﻬﻢ
ﻋﻘﻮبتهم مع ﻣﺎ ﻫﻢ ﻋﻠﻴﻪ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﻌﺎﺻﻲ
ﻭﺍﻟﻤﺨﺎﻟﻔﺎﺕ .
6 : ﺍﻟﺰﻫﺪ ، ﻭمقت ﺍﻟﻨﻔﺲ ،
ﻭﺍلتخلص ﻣﻦ ﺍلتكبر والعجب .
7 : ﺗﺠﺪ ﺃن ﻣﻦ ﻳﺤﺎسب نفسه
يجتهد ﻓﻲ ﺍﻟﻄﺎعة 
ﻭيترك ﺍﻟﻤﻌﺼﻴﺔ
ﺣﺘﻰ تسهل عليه ﺍﻟﻤﺤﺎسبة ﻓﻴﻤﺎ ﺑﻌﺪ .
8 : ﺭد ﺍﻟﺤﻘﻮق ﺇﻟﻰ ﺃهلها
ﻭﻣﺤﺎﻭلة تصحيح ﻣﺎ 
ﻓﺎﺕ .

حاسب قبل ﺃﻥ تحاﺳﺐ

نصيحة ثمينة

نصيحة ثمينة

أثث قبرك بأجمل الأثاث : -
 الصـلاة ،
الصدقة ،
 القرآن ،
بـادر قبل أن تغادر ...
اللهم نسألك حسن الختام
   

الثلاثاء، 7 يوليو 2015

القلب فرح...وهذه هي الجوارح سعيدة


Click Me!
 
 
 
Click Me!
 

 
وهذا هو القلب فرح...وهذه هي الجوارح سعيدة...
رمضان أصبح بيننا بإذن الله...
طلبنا...فجاء أهلا وسهلا...
إنتظرنا فجاء بسكينة المؤمنين...
فرضينا به لأن قلوبنا مليئة بالذنوب...
وأخبرنا قلوبنا بأن الفرج جاء لها...
وأن الغيوم السوداء سوف تزول عن سمائنا...
ولكن علينا أن نحاول أن نكون كما علمنا القرآن الكريم...
وأن لا ننسى وصايا السنة النبوية الشريفة...
إياك والحقد...وتذكر أن أبواب الرحمة مفتوحة للجميع...
وأن عليك حق أمام القريب والبعيد...أمام الأسود والأبيض...
أمام الرئيس والمسؤول...أمام السجين والحر...
أمام المريض والسليم...
في رمضان علينا أن نحتضن كل المساحات البيضاء...
والسوداء نحولها الى بيضاء...
في رمضان إبدأ بقلبك وأسأله ما قصة الحياة...والسعادة والكرم والجوع والفقر...
أخبر قلبك بأن السعادة للجميع...والأحلام من حق كل الناس...
وإكتشف بنفسك أين الخلل في حياتك من أول يوم في رمضان...
تذكر ماذا علمتك أمك...
صيامك فريضة فلتكن عبادة بحق وحقيقة...
وقلبك بحاجة الى مزيد من الإيمان حتى لو كنت فقيها أو إماما...
إياك أن تنسى أن عليك أن تعطر صيامك بكلام الله...
وتذكر قبور من سبقون وبالأخص من كانوا رحماء بيننا...
إقرأ الفاتحة لكل من تذكرته...والفاتحة لكل من نسيته...
اللهم أنت ولينا فأغفر لنا وإرحمنا وأنت خير الغافرين...
تحياتي
صن لايت



الأربعاء، 11 مارس 2015

الجذع يحن إليه !!.


الجذع يحن إليه !!.

د. لطف الله بن ملا عبد العظيم خوجه

- قصة:
فحنّ الجذع، وسمع الناس له صوتا كصوت العشار، حتى تصدع وانشق، حتى جاء فوضع يده عليه فسكت، وكثر بكاء الناس لما رأوا به، فقال: (إن هذا بكى لما فقد من الذكر، والذي نفسي بيده، لو لم ألتزمه، لم يزل هكذا إلى يوم القيامة)، فأمر به فدفن تحت المنبر.
* * *
- محبة مفترضة.
من حقوق النبي صلى الله عليه وسلم محبته، وقد ورد الأمر بها في القرآن، قال الله تعالى: 
- { قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموال اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها أحب إليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله فتربصوا حتى يأتي الله بأمره والله لا يهدي القوم الفاسقين}.
وموضع الشاهد: ما في الآية من الوعيد، لمن كانت محبته لشيء، أكثر من محبته لله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم، في كلمتين هما:
أولا: قوله: {فتربصوا حتى يأتي الله بأمره}. والتربص هنا للعقوبة، ولا تكون العقوبة إلا لترك واجب.
ثانيا: قوله: {والله لا يهدي القوم الفاسقين}. فقد وصفهم بالفسق، وذلك لا يكون إلا بفعل كبيرة فما فوقها، من كفر وشرك، لا في صغيرة.
فمن قدم شيئا من المحبوبات على محبة النبي صلى الله عليه وسلم فهو فاسق، متربص ببلية تنزل عليه. 
وقد اقترنت محبته صلى الله عليه وسلم بمحبة الله تعالى، وذلك يفيد التعظيم، كاقتران طاعته بطاعة الله تعالى.

وثمة نصوص نبوية صريحة، في وجوب تقديم محبته عليه الصلاة والسلام على كل المحبوبات الدنيوية:
- النص الأول: 
كان النبي آخذا بيد عمر بن الخطاب، فقال له عمر: 
- (يا رسول الله! لأنت أحب إلي من كل شيء إلا من نفسي. 
- فقال النبي: لا، والذي نفسي بيده، حتى أكون أحب إليك من نفسك. 
- فقال له عمر: فإنه الآن والله لأنت أحب إلي من نفسي. 
- فقال النبي: الآن يا عمر). [البخاري، الأيمان والنذور، باب كيف كانت يمين النبي].
النفي المؤكد بالقسم يدل على وجوب تقديم محبته عليه الصلاة والسلام على النفس.. 
فأَمْرُه بتأخير محبة النفس، وتقديم هذه المحبة النبوية عليها، مع كون محبة النفس جبلة في الإنسان، يقدمها على كل شيء، ولا يلام على ذلك في أصل الأمر، إلا إذا تجاوز بها إلا محظور: دليل وجوب، لا استحباب. 
إذ لا يؤمر الإنسان بترك فطرة فطر عليها، وليست مذمومة في أصلها، إلا إذا قادته إلا محظور. وتقديم محبة النفس على محبة النبي صلى الله عليه وسلم، تقود إلى فعل المحظورات، كما هو مجرب، فلذا وجب التقديم.
أمر ثان: النفس هالكة، لولا فضل الله تعالى على الناس بهذا النبي، فهو سبب نجاتها، فمحبته أحق بالتقديم.
- النص الثاني:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين) البخاري، الإيمان.
هذا نص في وجوب أن يكون عليه الصلاة والسلام أحب إلى المرء من كل شيء دنيوي، وذلك لأمور:
- كونه نفى حصول الإيمان إلا بكونه أحب شيء، والإيمان واجب، وما تعلق به فهو واجب.
- ثم إن الخطاب جاء في حق الأعيان في قوله: (أحدكم)، فكل مؤمن مخاطب بهذه المحبة.
- ثم إنه أتى بصيغة التفضيل: (أحب)، وهو صريح في تقديم محبته مطلقا على كل شيء دنيوي.
وهذه المحبة الواجبة من فرط فيها فهو آثم مذنب، ومن قدم عليه محبة: الآباء، أو الأبناء، أو الإخوان، أو الأزواج، أو شيء من متاع الدنيا، فهو آثم فاسق، مستحق للعقوبة، فقوله: (لا يؤمن أحدكم..) نفي للإيمان الواجب، بمعنى أن من فعل ذلك فقد نقص إيمانه، نقصا يستحق به الإثم والعقوبة. 
فالشارع لا ينفي واجبا، ثبت وجوبه، إلا لترك واجب فيه.
والإيمان واجب، ولا ينفى بقوله: (لا يؤمن.. ) إلا لترك واجب فيه، كالصلاة لا تنفى إلا لترك واجب فيها، كقوله: (لا صلاة لمن لا وضوء له). [رواه أحمد]
والإثم والعقوبة متفاوت بحسب نوع التقديم:
- فتارة يكون كفرا، وذلك في حالين:
- الأول: إذا كان التقديم مطلقا، فلا يتعارض شيء مع محبة النبي صلى الله عليه وسلم إلا قدم ذلك الشيء، وهكذا في كل شيء، فهذا يعبد هواه، ولا يعبد الله تعالى في شيء. 
- الثاني: إذا كان التقديم في بعض الأحوال، لكن في أمور كفرية، ينقض بها أصل دينه، فيقدم محبة الأمور الكفرية على محبة النبي صلى الله عليه وسلم، كمن نصر الكافرين على المسلمين.
- وتارة يكون كبيرة، وذلك إذا قدم محبة الكبائر على محبة النبي صلى الله عليه وسلم، فشرب الخمر وزنا، ولم يطع النبي صلى الله عليه وسلم في نهيه عنها، فهذا قدم محبة هذه الكبائر.
- وتارة صغيرة، وذلك إذا فعل الصغائر، فقدم حبها على حبه للنبي صلى الله عليه وسلم وطاعته.
* * *
- عبودية لا إلهية.
وليس فوق محبة النبي صلى الله عليه إلا محبة الله تعالى، فإن محبة الله تعالى هي أعلى المحبوبات وأوجبها على الإطلاق، ولا يجوز أن يساوى بينه تعالى وبين غيره في المحبة، حتى النبي صلى الله عليه وسلم، فإن محبته وإن كانت عظيمة مقدمة على المحبوبات الدنيوية، لكنها تبقى في مرتبة البشرية، لا تبلغ مرتبة الألوهية، فلله تعالى محبة تخصه تسمى محبة: التأله، والخلة. ويقال كذلك: المحبة الذاتية. فلا يجب شيء لذاته إلا الله تعالى.

ومن هنا يفهم خطأ من بالغ في محبة النبي صلى الله عليه وسلم، حتى جعله كمحبة الله تعالى، فنسب إليه خصائص الخالق سبحانه:
- من علم الغيب. 
- وتدبير الخلق. 
- ونسبة إجابة الدعوات إليه. 
- ودعاؤه والاستغاثة به من دون الله تعالى، في قضاء الحوائج، وتفريج الكربات. 
- وسؤاله شيئا لا يقدر عليه إلا الله تعالى.
فإن محبة النبي صلى الله عليه وسلم وإن اقترنت بمحبة الله تعالى، إلا أنها كاقتران طاعته بطاعته، أما المحبة الإلهية فشيء وراء المحبة البشرية، وما أرسل النبي صلى الله عليه إلا ليعلق القلوب بالله تعالى، ويخلص الناس محبتهم لله تعالى فلا يشركوا فيها معه غيره، وهذه هي العبودية، التي قال تعالى فيها:
- {وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون}، أي ليخلصوا المحبة والخضوع والطاعة لله تعالى.
وقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم من هذا المسلك غاية التحذير، وحرص على منع كل ذريعة تفضي إلى مساواته بالله تعالى في المحبة، فقال عليه الصلاة والسلام:
- (لا تطروني كما أطرت النصارى المسيح ابن مريم، فإنما أنا عبده فقولوا عبد الله ورسوله).
ومعنى الأثر: لا تبالغوا في مدحي، وتغلوا كغلو النصارى في عيسى عليه السلام. 
فإن النصارى زعموا فيه أنه إله، وأنه ابن الله تعالى: {كبرت كلمة تخرج من أفواههم إن يقولون إلا كذبا}، فقد خشي النبي صلى الله عليه وسلم من هذا المسلك، فنهى عن المبالغة في مدحه. 
وقد وقع ما نهى عنه صلى الله عليه وسلم، حيث غلا فيه أناس حتى جعلوه في مرتبة الألوهية والربوبية:
- فنسبوا إليه ما لا يليق إلا بالخالق، وصنعوا به كما صنع النصارى بالمسيح، غير أنهم لم يقولوا: هو ابن الله. لكنهم نسبوا إليه: التصريف، وعلم الغيب، وإجابة الدعاء. وهذا إنزال له في مرتبة الألوهية، وإن لم يقولوا: إنه الله. فإن العبرة بالمعاني والحقائق.
- كما أنهم ابتدعوا له عيدا، يحتفلون فيه بمولده صلى الله عليه وسلم، كابتداع النصارى عيد الميلاد للسيد المسيح عليه السلام، ولم يفعله ولم يأمر به عليه السلام، كما لم يفعله النبي صلى الله عليه وسلم ولم يأمر في حق نفسه الشريفة. 
لقد اتبع طائفة من المسلمين سنن اليهود والنصارى حذو القذة بالقذة، حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلوه، كما أخبر الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم.
نعم النبي صلى الله عليه وسلم أعظم الخلق، وسيد ولد آدم، وخليل الله تعالى، وأعلى الناس منزلة يوم القيامة، وفي الجنة، وهو إمام الأنبياء والمرسلين، لا يبلغ مقامه نبي مرسل، ولا ملك مقرب، غير أنه تحت سقف العبودية، دون مرتبة الألوهية، وقوله: 
- (إنما أنا عبده، فقولوا عبد الله ورسوله).
تقرير على هذه الحقيقة، ولجم وإبطال لدعاوى فريقين:
- الأول: الغالي، الذي رفعه عن مرتبة العبودية، وذلك بقوله: (فقولوا عبد الله).
- والثاني: الجافي، الذي عامله كسائر الناس، فلم يميزه بالمرتبة العالية، وذلك بقوله: (ورسوله).
قال الله تعالى: 
- {قل لا أملك لنفسي نفعا ولا ضرا إلا ما شاء الله ولو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير وما مسني السوء إن أنا إلا نذير وبشير لقوم يؤمنون}.
وتقديم محبته صلى الله عليه وسلم على كل شيء له أربعة أسباب، الاثنان الأولان منها على سبيل الوجوب، والآخران على سبيل الاستحباب:
- الأول: أمر الله تعالى به، حيث تقدمت الأدلة الدالة على هذا، وهذا السبب وحده يكفي في الوجوب.
- الثاني: منته صلى الله عليه وسلم على أمته، إذا هداهم الله به، ودلهم على طريق السعادة والنجاة من شقاء الدنيا والآخرة.
- الثالث: كماله الخُلقي: كرما، وشجاعة، وإحسانا، ومروءة، وصدقا، وعدلا، وأمانة، وحلما، ورحمة، وعفوا وصفحا. بالإضافة إلى العلم والفقه والبصيرة، وأية واحدة من هذه السجايا توجب محبة من تحلى بها، فكيف بمن اجتمعت فيه على أكمل وجه، قال تعالى: {وإنك لعلى خلق عظيم}.
- الرابع: كماله الخَلقي. فقد كان جميلا، منيرا كالشمس، طيب الرائحة، عرقه كالمسك، معتدل القوام، حسن الشعر، جميل العين، أبيض البشرة. فله أوصاف الجمال، فمن رآه أحبه.
* * *
- الشوق إلى النبي.
وعلامات المحبة متعددة، هي: الإيمان به، وتوقيره، ونصرته، وطاعته.

ثم إن منها كذلك: الشوق والطرب عند ذكره، وتمني رؤيته، والجلوس إليه، ولو كان ذلك لا يحصل إلا بإنفاق كل المال، وما عرف عن الصادقين من المؤمنين إلا مثل هذا الشعور الصادق، وهذه آثارهم:
1- سأل رجل فقال: " متى الساعة؟. 
- قال: ( وما أعددت لها)؟.
- قال: لا شيء، إلا أني أحب الله ورسوله. 
- فقال: (أنت مع من أحببت). 
- قال أنس: فما فرحنا بشيء فرحنا بقول النبي: أنت مع من أحببت. 
- قال أنس: فأنا أحب النبي وأبا بكر وعمر، وأرجو أن أكون معهم بحبي إياهم، وإن لم أعمل أعمالهم" [البخاري، الأدب، باب علامة الحب في الله دون قول أنس].
2- قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( والذي نفس محمد بيده! ليأتين على أحدكم يوم ولا يراني. ثم لأن يراني أحب إليه من أهله وماله معهم ) [رواه مسلم في الفضائل، باب: فضل النظر إليه صلى الله عليه وسلم، وتمنيه 4/1836]. 
3- وجاء أن امرأة قتل أبوها وأخوها وزوجها يوم أحد مع رسول الله فقالت: 
- "ما فعل رسول الله؟. 
- قالوا: خيرا، هو بحمد الله كما تحبين. 
- فلما رأته قالت: كل مصيبة بعدك جلل". [الروض الأنف للسهيلي 6/25، الشفا 2/22]
4- ولما احتضر بلال قالت امرأته: " واحزناه. 
- فقال: واطرباه، غدا نلقى الأحبة .. محمدا وحزبه". [سير أعلام النبلاء1/359، الشفا2/23] 
5- ولما أخرج أهل مكة زيد بن الدثنة من الحرم ليقتلوه، قال له أبو سفيان: 
- " أنشدك الله يا زيد!، أتحب أن محمدا الآن عندنا مكانك يضرب عنقه، وأنك في أهلك"؟.
- فقال زيد: " والله ما أحب أن محمدا الآن في مكانه الذي هو فيه تصيبه شوكة، وإني جالس في أهلي". 
- فقال أبوسفيان: " ما رأيت من الناس أحدا يحب أحدا كحب أصحاب محمد محمدا". [السيرة النبوية الصحيحة للعمري 2/400، سيرة ابن هشام 3/160، الروض الأنف 6/166، الشفا 2/23]
6- وكان خالد بن معدان لا يأوي إلى فراشه إلا وهو يذكر من شوقه إلى رسول الله وإلى أصحابه، ويسميهم ويقول: " هم أصلي وفصلي، وإليهم يحن قلبي، طال شوقي إليهم، فعجل رب قبضي إليك"، حتى يغلبه النوم. [سير أعلام النبلاء 4/539، الحلية 5/210، الشفا 2/21]. 
7- وقد كانت الجمادات فضلا عن المؤمنين تشتاق إلى رسول الله وتحبه وكذا البهائم: 
- فقد كان عليه السلام يخطب إلى جذع نخلة، فلما صنع له المنبر، تحول إليه، فحنّ الجذع، وسمع الناس له صوتا كصوت العشار، حتى تصدع وانشق، حتى جاء رسول الله فوضع يده عليه فسكت، وكثر بكاء الناس لما رأوا به، فقال النبي: (إن هذا بكى لما فقد من الذكر، والذي نفسي بيده، لو لم ألتزمه، لم يزل هكذا إلى يوم القيامة)، فأمر به فدفن تحت المنبر.
- وكان الحسن البصري إذا حدث بهذا بكى وقال: " يا عباد الله! الخشبة تحن إلى رسول الله شوقا إليه بمكانه فأنتم أحق أن تشتاقوا إلى لقائه". [بتصرف، وأصله مروي في صحيح البخاري، في المناقب، باب: علامات النبوة قبل الإسلام3/1314، انظر الشفا 1/304، صحيح الجامع2256]. 
8- وقد كان الطعام يسبح في يده والشجر والجبل والحجر يسلم عليه. [ الشفا 1/306، وأثر التسبيح عند البخاري، في المناقب، باب: علامات النبوة قبل الإسلام 3/1312، وأثر تسليم الحجر في مسلم، الفضائل، باب: فضل نسب النبي صلى الله عليه وسلم، وتسليم الحجر عليه قبل النبوة 4/1782]
9- لما قدم عمر الشام، سأله المسلمون أن يسأل بلالا يؤذن لهم، فسأله، فأذن يوما، فلم ير يوما كان أكثر باكيا من يومئذ، ذكرا منهم للنبي صلى الله عليه وسلم. [سير أعلام النبلاء 1/357] 
10- عن أبي بن كعب قال: " كان رسول الله إذا ذهب ربع الليل قام فقال: أيها الناس اذكروا الله، اذكروا الله، جاءت الراجفة تتبعها الرادفة، جاء الموت بما فيه، جاء الموت بما فيه. 
- فقلت: يا رسول الله! إني أكثر الصلاة عليك، فكم أجعل لك من صلاتي؟. قال: ما شئت.
- قلت: الربع؟، قال: ماشئت، وإن زدت فهو خير. 
- قلت النصف؟، قال: ماشئت، وإن زدت فهو خير. 
- قلت: الثلثين؟، قال: ماشئت، وإن زدت فهو خير. 
- قال: أجعل لك صلاتي كلها، قال: إذا تكفى همَك، ويغفر لك ذنبك". [رواه الترمذي، صفة القيامة، وأحمد 5/136]؛ لأن من صلى على النبي صلى الله عليه بها عشرا، ومن صلى الله عليه كفاه همه وغفر ذنبه. [انظر جلاء الأفهام لابن القيم ص46].
* * *
كثير من الصالحين يرون النبي صلى الله عليه وسلم في المنام، بعضهم كان يراه في كل ليلة، فإذا ما لم يره في ليلة اتهم نفسه بالنفاق، ورؤيته في المنام صلى الله عليه دليل على تعلق القلب به، واشتغال اللسان بالصلاة عليه، والعين بالنظر في سنته، والأذن في سماع حديثه.
أما أولئك الذين:
- لا يصلون عليه حتى إذا ذكر. 
- ولا يسمعون لحديثه ولو تلي. 
- ولا ينظرون في سنته، ولو مر بهم كتاب حديث. 
فإنه لن يكون له في قلوبهم: ذكر، ولا شوق. 
فأنى لهم أن يروه في المنام، ولو لمرة، فهل لهم أن يتهموا أنفسهم بالنفاق؟!..
* * *

فضائل الصحابة رضي الله عنهم


فضائل الصحابة رضي الله عنهم

د. نايف بن أحمد الحمد

الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده وبعد : " فإن أولى ما نظر فيه الطالب ، وعني به العالم بعد كتاب الله -عز وجل- سنن رسوله -صلى لله عليه وآله وسلم- فهي المبيِّنة لمراد الله -عز وجل- من مجملات كتابه ، والدالة على حدوده ، والمفسرة له ، والهادية إلى الصراط المستقيم صراط الله مَن اتبعها اهتدى ،ومن سُلبها ضل وغوى وولاه الله ما تولى ، ومِن أَوكد آلات السنن المعينة عليها ، والمؤدية إلى حفظها معرفة الذين نقلوها عن نبيهم -صلى الله عليه وآله وسلم- إلى الناس كافة ، وحفظوها عليه ،وبلغوها عنه ، وهم صحابته الحواريون الذين وعوها وأدوها ناصحين محسنين حتى أكمل بما نقلوه الدين ، وثبت بهم حجة الله -تعالى -على المسلمين فهم خير القرون ، وخير أمة أخرجت للناس ثبتت عدالة جميعهم بثناء الله عز وجل عليهم ، وثناء رسوله -عليه السلام- ، ولا أعدل ممن ارتضاه الله لصحبة نبيه ونصرته ، ولا تزكية أفضل من ذلك ، ولا تعديل أكمل منه قال الله تعالى ذكره ( مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُود)( الفتح: 29) " [1]
" والصحابة أبر هذه الأمة قلوبا ، وأعمقها علما ، وأقلها تكلفا ، وأقومها هديا ، وأحسنها حالا اختارهم الله لصحبة نبيه -صلى الله عليه وسلم- وإقامة دينه " . كما قاله ابن مسعود _رضي الله عنه_ [2] . "فحبهم سنة والدعاء لهم قربة والإقتداء بهم وسيلة والأخذ بآثارهم فضيلة "[3]
وهم صفوة خلق الله تعالى بعد النبيين -عليهم الصلاة والسلام- فعن ابن عباس _رضي الله عنهما_ في قول الله عز وجل ( قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى ) (النمل:59) قال : أصحاب محمد -صلى الله عليه وسلم- [4].
وقال سفيان في قوله عز وجل ( الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ)(الرعد: 28) قال : هم أصحاب محمد -صلى الله عليه وسلم- .[5]
وعن وهب بن منبه -رحمه الله -في قوله تعالى ( بِأَيْدِي سَفَرَةٍ (15) كِرَامٍ بَرَرَةٍ) (عبس:16) قال هم أصحاب محمد -صلى الله عليه وسلم-[6].
وقال قتادة في قوله تعالى ( يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاوَتِه)(البقرة:121) هم أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم -آمنوا بكتاب الله وعملوا بما فيه [7].
وقال ابن مسعود _رضي الله عنه_ " إن الله نظر في قلوب العباد فوجد قلب محمد -صلى الله عليه وسلم- خير قلوب العباد فاصطفاه لنفسه فابتعثه برسالته ، ثم نظر في قلوب العباد بعد قلب محمد فوجد قلوبَ أصحابهِ خيرَ قلوبِ العبادِ فجعلهم وزراءَ نبيهِ يُقاتِلون على دينه " [8] والصحابي هنا هو مَن لقي النبي -صلى الله عليه وسلم - مؤمنا به ، ومات على ذلك . فقد جاء في حديث قيلة العنبرية -رضي الله عنها- : خرجت أبتغي الصحابة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم [9] .
وقد ورد في فضلهم آيات وأحاديث كثيرة منها : قوله تعالى ( وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) (التوبة:100)
وقال تعالى ( لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً) (الفتح:18)
وقال تعالى ( مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْأِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً) (الفتح : 29)
وفي آيات عديدة ذكرهم الله تعالى وترضى عنهم .
ومما جاء في السنة :
عن أبي هريرة _رضي الله عنه_ قال : قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ( لا تسبوا أصحابي لا تسبوا أصحابي فوالذي نفسي بيده لو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهبا ما أدرك مد أحدهم ولا نصيفه ) [10] " وسبب تفضيل نفقتهم أنها كانت في وقت الضرورة ، وضيق الحال بخلاف غيرهم ، ولأن إنفاقهم كان في نصرته -صلى الله عليه وسلم- ، وحمايته ، وذلك معدوم بعده ، وكذا جهادهم وسائر طاعتهم ، وقد قال تعالى ( لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً )(الحديد:10) وهذا كله مع ما كان فيهم في أنفسهم من الشفقة ، والتودد ، والخشوع ، والتواضع ، والإيثار ، والجهاد في الله حق جهاده ، وفضيلة الصحبة ولو لحظة لا يوازيها عمل ، ولا ينال درجتها بشيء ، والفضائل لا تؤخذ بقياس ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء " ا.هـ [11]
وقال البيضاوي _رحمه الله تعالى_ : " معنى الحديث لا ينال أحدكم بإنفاق مثل أحد ذهبا من الفضل والأجر ما ينال أحدهم بإنفاق مد طعام أو نصيفه ، وسبب التفاوت ما يقارن الأفضل من مزيد الإخلاص ، وصدق النية ) ا.هـ [12] " مع ما كانوا من القلة ، وكثرة الحاجة والضرورة " [13] وقيل " السبب فيه أن تلك النفقة أثمرت في فتح الإسلام ، وإعلاء كلمة الله ما لا يثمر غيرها ، وكذلك الجهاد بالنفوس لا يصل المتأخرون فيه إلى فضل المتقدمين لقلة عدد المتقدمين ، وقلة أنصارهم فكان جهادهم أفضل ، ولأن بذل النفس مع النصرة ، ورجاء الحياة ليس كبذلها مع عدمها " ا.هـ [14] .
ومما جاء في فضلهم -رضي الله عنهم- حديث ابن مسعود _رضي الله عنه_ عن النبي -صلى الله عليه وسلم - قال : ( خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ) [15] " وإنما صار أول هذه الأمة خير القرون ؛ لأنهم آمنوا به حين كفر الناس ، وصدقوه حين كذبه الناس ، وعزروه ، ونصروه ، وآووه ، وواسوه بأموالهم وأنفسهم ، وقاتلوا غيرهم على كفرهم حتى أدخلوهم في الإسلام " ا.هـ [16] .
ومما جاء في فضلهم ما رواه أبو بردة _رضي الله عنه_ قال : قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم - (النجوم أمنة للسماء فإذا ذهبت النجوم أتى السماء ما توعد ، وأنا أمنة لأصحابي فإذا ذهبت أتى أصحابي ما يوعدون ، وأصحابي أمنة لأمتي فإذا ذهب أصحابي أتى أمتي ما يوعدون ) [17]" وهو إشارة إلى الفتن الحادثة بعد انقراض عصر الصحابة من طمس السنن وظهور البدع وفشو الفجور في أقطار الأرض " [18] .
وها هو أمير المؤمنين علي _رضي الله عنه_ يصف حال الصحابة فعن أبي راكة قال : صليت خلف علي صلاة الفجر فلما سلم انفلت عن يمينه ثم مكث كأن عليه الكآبة حتى إذا كانت الشمس على حائط المسجد قيد رمح قال : لقد رأيت أصحاب محمد -صلى الله عليه وسلم- فما أرى اليوم شيئا يشبههم كانوا يصبحون ضمرا شعثا غبرا بين أعينهم أمثال ركب المعزى قد باتوا لله سجدا وقياما يتلون كتاب الله ويراوحون بين جباههم وأقدامهم فإذا أصبحوا ذكروا الله مادوا كما تميد الشجر في يوم الريح فهملت أعينهم حتى تبتل ثيابهم .[19]
الوعيد الشديد فيمن آذى أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم
عن عبد الله بن مغفل المزني _رضي الله عنه_ قال : قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ( الله الله في أصحابي الله الله في أصحابي لا تتخذوهم غرضا بعدي فمن أحبهم فبحبي أحبهم ومن أبغضهم فببغضي أبغضهم ومن آذاهم فقد آذاني ومن آذاني فقد آذى الله تبارك وتعالى ومن آذى الله فيوشك أن يأخذه ) [20] قال المناوي _رحمه الله تعالى_ " ( الله الله في حق أصحابي ) أي اتقوا الله فيهم ، ولا تلمزوهم بسوء ، أو اذكروا الله فيهم وفي تعظيمهم وتوقيرهم ، وكرره إيذانا بمزيد الحث على الكف عن التعرض لهم بمنقص ( لا تتخذوهم غرضا ) هدفا ترموهم بقبيح الكلام كما يرمى الهدف بالسهام هو تشبيه بليغ ( بعدي ) أي بعد وفاتي " ا.هـ ( [21] .
وعن ابن عباس _رضي الله عنهما_ قال : قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ( مَن سب أصحابي فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين ) [22] .
موقف السلف الصالح من الصحابة الكرام
لقد عرف السلف الصالح فضل الصحابة الكرام وبيَّنوا ذلك وردوا على كل من أراد انتقاصهم _رضي الله عنهم_ قال ابن عمر _رضي الله عنهما_ " لا تسبوا أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم فلمقام أحدهم ساعة خير من عمل أحدكم عُمره " [23].
وجاء رجل إلى عبد الله بن المبارك وسأله أمعاوية أفضل أو عمر بن عبد العزيز فقال " لتراب في منخري معاوية مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- خير وأفضل من عمر بن عبد العزيز " [24].
وجاء رجل إلى الإمام أبي زرعة الرازي -رحمه الله- فقال : يا أبا زرعة أنا أبغض معاوية . قال : لِمَ ؟ قال : لأنه قاتَل عليا . فقال أبو زرعة : إن ربَّ معاوية ربٌّ رحيم وخصمَ معاوية خصمٌ كريم فما دخولك أنت بينهما _رضي الله عنهم_ أجمعين [25] .
وقال الإمام أحمد -رحمه الله تعالى- " إذا رأيت رجلا يذكر أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بسوء فاتهمه على الإسلام " [26] وقال –رحمه الله تعالى- " لا يجوز لأحد أن يذكر شيئا من مساويهم ولا يطعن على أحد منهم بعيب ولا نقص فمن فعل ذلك فقد وجب على السلطان تأديبه وعقوبته ليس له أن يعفو عنه بل يعاقبه ويستتيبه فان تاب قبل منه وإن ثبت أعاد عليه العقوبة وخلده الحبس حتى يموت أو يراجع " [27]
وقال بشر بن الحارث _رحمه الله تعالى_ " مَن شتم أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فهو كافر وإن صام وصلى وزعم أنه من المسلمين " [28] . ولعل كثيرا من الكتاب ممن في قلوبهم مرض الذين ينتقصون أصحاب رسول الله –صلى الله عليه وسلم – في الصحف وغيرها يرون أن الوقت لم يحن بعد لانتقاص القرآن والسنة فرأوا أن تقليل شأن الصحابة الكرام عند الناس هو من أخصر الطرق لرد الكتاب والسنة كما قال أبو زرعة _رحمه الله تعالى_ " إذا رأيت الرجل ينتقص أحدا من أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فاعلم أنه زنديق وذلك أن الرسول حق والقرآن حق وإنما أدى إلينا هذا القرآن والسنة أصحابُ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وإنما يريدون أن يجرحوا شهودنا ليُبطلوا الكتاب والسنة والجرح بهم أولى وهم زنادقة " ا.هـ [29] .
وقال السرخسي _رحمه الله تعالى_ " فمن طعن فيهم فهو ملحد منابذ للإسلام دواؤه السيف إن لم يتب " ا.هـ [30] .
وقال الإمام محمد بن صُبيح بن السماك _رحمه الله تعالى_ لمن انتقص الصحابة " علمتَ أن اليهود لا يسبون أصحاب موسى -عليه السلام- وأن النصارى لا يسبون أصحاب عيسى -عليه السلام- فما بالك ياجاهل سببت أصحاب محمد -صلى الله عليه وسلم- ؟ وقد علمتُ من أين أوتيتَ لم يشغلك ذنبك أما لو شغلك ذنبك لخفت ربك ، ولقد كان في ذنبك شغل عن المسيئين فكيف لم يشغلك عن المحسنين ؟ أما لو كنت من المحسنين لما تناولت المسيئين ، ولرجوت لهم أرحم الراحمين ، ولكنك من المسيئين فمن ثَمَّ عبت الشهداء والصالحين ، أيها العائب لأصحاب محمد -صلى الله عليه وسلم- لو نمتَ ليلك ، وأفطرت نهارك لكان خيرا لك من قيام ليلك ، وصوم نهارك مع سوء قولك في أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فويحك لا قيام ليل ، ولا صوم نهار ، وأنت تتناول الأخيار فأبشر بما ليس فيه البشرى إن لم تتب مما تسمع وترى .. وبم تحتج يا جاهل إلا بالجاهلين ، وشر الخلف خلف شتم السلف لواحد من السلف خير من ألف من الخلف " ا.هـ [31] .
وقال ابن الصلاح _رحمه الله تعالى_ " إن الأمة مجمعة على تعديل جميع الصحابة , ومَن لابس الفتن منهم فكذلك بإجماع العلماء الذين يُعتد بهم في الإجماع " ا.هـ ( [32] .
ذكر فضلهم في كتب العقائد رفعا لشأنهم وعلوا لمنزلتهم :
قال الطحاوي _رحمه الله تعالى_ " ونحب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم و لا نُفرط في حب أحد منهم ، ولا نتبرأ من أحد منهم ونبغض من يبغضهم ، وبغير الحق يذكرهم ، ولا نذكرهم إلا بخير ، وحبهم دين وإيمان وإحسان ، وبغضهم كفر ونفاق وطغيان " ا.ه[33].
وذكر الحميدي _رحمه الله تعالى_ أن من السنة " الترحم على أصحاب محمد -صلى الله عليه وسلم- كلهم فإن الله عز وجل قال ( وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْأِيمَانِ )(الحشر:10) فلم نؤمر إلا بالاستغفار لهم ، فمن سبهم أو تنقصهم أو أحدا منهم فليس على السنة وليس له في الفيء حق ، أخبرنا غير واحد عن مالك بن أنس " ا.ه[34]
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية _رحمه الله تعالى_ " ويمسكون عما شجر من الصحابة ، ويقولون إن هذه الآثار المروية في مساوئهم منها ما هو كذب ، ومنها ما قد زيد فيه ، ونقص ، وغُيِّرَ عن وجهه ، والصحيح منه هم فيه معذورون ؛ إما مجتهدون مصيبون ، وإما مجتهدون مخطئون ... ، ولهم من السوابق ، والفضائل ما يوجب مغفرة ما يصدر عنهم إن صدر حتى إنهم يغفر لهم من السيئات ما لا يغفر لمن بعدهم ؛ لأن لهم من الحسنات التي تمحو السيئات مما ليس لمن بعدهم ... ثم القَدْر الذي يُنكر من فعل بعضهم قليل نزر مغفور في جنب فضائل القوم ، ومحاسنهم من الإيمان بالله ، ورسوله ، والجهاد في سبيله ، والهجرة ، والنصرة ، والعلم النافع ، والعمل الصالح ، ومن نظر في سيرة القوم بعلم وبصيرة ، وما منَّ الله عليهم به من الفضائل علم يقينا أنهم خير الخلق بعد الأنبياء لا كان ولا يكون مثلهم ، وأنهم الصفوة من قرون هذه الأمة التي هي خير الأمم ، وأكرمها على الله " ا.هـ [35]
وفي الختام لا نقول إلا كما قال الله تعالى (وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْأِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلّاً لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ ) اللهم ارض عن أصحاب نبيك أجمعين واحشرنا وإياهم في زمرة سيد المرسلين والله تعالى أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
كتبه د. نايف بن أحمد الحمد 
قاضي المحكمة العامة بمحافظة رماح 

--------------------------------------------------- 
[1] الاستيعاب 1/1 
[2] تفسير القرطبي 1/60 وروى نحوه أبو نعيم في الحلية 1/305 من قول ابن عمر رضي الله عنهما . 
[3] العقيدة 1/81 
[4] رواه الطبري 20/2 والبزار وانظر : تفسير ابن كثير 3/370 الاستيعاب 1/13تفسير القرطبي 13/220 وبذلك فسرها سفيان الثوري. كما رواه عنه أبو نعيم في الحلية 7/77 وابن عساكر 23/463. 
[5] رواه سعيد بن منصور 5/ 435 
[6] رواه عبد بن حميد وابن المنذر . تفسير ابن كثير 4/472 الدر المنثور 8/418. 
[7] فتح الباري 13/508 . 
[8] رواه أحمد 1/379 والطيالسي (246) بإسناد حسن . 
[9] رواه ابن سعد 1/318 والطبراني 25/8 قال الهيثمي " رجاله ثقات " المجمع 6/12. 
[10] رواه البخاري (3470 ) ومسلم (2540) واللفظ له . 
[11] شرح مسلم للنووي 16/93 شرح سنن ابن ماجه 1/15 تحفة الأحوذي 10/246 . 
[12] فتح الباري 7/34 . 
[13] عون المعبود 12/269 . 
[14] تحفة الأحوذي 8/338 . 
[15] رواه البخاري ( 2509) ومسلم ( 2533 ) . 
[16] التمهيد 20/251 فيض القدير 3/ 478 . 
[17] رواه مسلم ( 2531 ) . 
[18] تحفة الأحوذي 10/156 فيض القدير 6/296 . 
[19] رواه أبو نعيم في الحلية 1/76 وابن أبي الدنيا في التهجد وقيام الليل /272والخطيب في الموضح 2/330 وابن عساكر 42/492 .
[20] رواه أحمد 5/54 والترمذي (3862 ) والبيهقي في الشعب 2/191 وقال الترمذي : ( هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه ) ا.هـ . 
[21] فيض القدير 2/98 . 
[22] رواه الطبراني في الكبير 12/142 وفي الدعاء (2108) والخلال في السنة (833) والقطيعي في زوائد الفضائل (8) والخطيب في التاريخ 14/241 من حديث أنس رضي الله عنه كما رواه الطبراني في الكبير 12/434 والأوسط (7515) وأبو نعيم في الحلية من حديث ابن عمر رضي الله عنهما والحديث حسنة الألباني رحمه الله في الصحيحة (2340) . 
[23] رواه أحمد في الفضائل 1/57 وابن أبي شيبة 6/405 وابن ماجه (162) وابن أبي عاصم في السنة 2/484 قال البوصيري في زوائد ابن ماجه 1/24" هذا إسناد صحيح " . 
[24] رواه ابن عساكر 59/208 وانظر : منهاج السنة 6/227 . 
[25] رواه ابن عساكر 59/141وانظر فتح الباري 13/86 عمدة القاري 24/215. 
[26] شرح أصول الاعتقاد للالكائي 7/1252 الصارم المسلول 3/ 1058 
[27] الصارم المسلول 3/1057 العقيدة 1/81 
[28] رواه ابن بطة في الإبانة /162. 
[29] تاريخ بغداد 38/132 والكفاية /97 . 
[30] أصول السرخسي 2/134 . 
[31] رواه المعافي في الجليس الصالح 2/392. 
[32] مقدمة ابن الصلاح /428 . 
[33] عقيدة الطحاوي مع شرحها 2/689 . 
[34] أصول السنة للحميدي بذيل المسند 2/176 . 
[35] العقيدة الواسطية / 43 .